فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



126- وقوله جل وعز: {ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال} إبراهيم بن السري خيره بين هذين كما خير محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} وقال علي بن سليمان المعنى قلنا يا محمد قالوا يا ذا القرنين قال لأن بعده قال: {أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا} فكيف يقول لربه {ثم يرد إلى ربه} وكيف يقول: {فسوف نعذبه} والعبد لا يخاطب بهذا ولم يصح أن ذا القرنين نبي فيقول الله {قلنا يا ذا القرنين} قال أبو جعفر وهذا موضع مشكل وليس بممتنع حذف القول والله أعلم بما أراد وروى معمر عن قتادة في قوله جل وعز: {فسوف نعذبه} قال بالقتل.
127- وقوله جل وعز: {ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا} لأن عذاب الآخرة أنكر من القتل. 128- ثم قال جل وعز: {وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى} قيل {الحسنى} ها هنا الجنة ويقرأ: {فله جزاء الحسنى} أي الإحسان.
129- ثم قال جل وعز: {وسنقول له من أمرنا يسرا} أي قولا جميلا.
130- وقوله جل وعز: {ثم اتبع سببا} ويقرأ: {ثم أتبع} بقطع الألف أي سببا من الأسباب التي تؤدية روى إلى أقطار الأرض قال الأصمعي يقال أتبعت القوم بقطع الألف أي لحقتهم واتبعتهم بوصل الألف إذا مررت في آثارهم وإن لم تلحقهم.
131- ثم قال جل وعز: {حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا} أي ليس لهم بنيان ولا قمص قال الحسن إذا طلعت نزلوا الماء حتى تغرب فأما معنى كذلك فقيل فيه حكمهم كحكم الذين تغرب عليهم الشمس أي هم كأولئك.
132- وقوله جل وعز: {ثم اتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين} ويقرأ: {السدين} وقد فرق بينهما أبو عمرو وجماعة من أهل اللغة فقال بعضهم السد ما كان من صنع الله والسد بالفتح ما كان من صنع الآدميين وقيل السد ما رأيته والسد ما ستر عينيك والصحيح في هذا ما قاله الكسائي أنهما لغتان بمعنى وإن زيد في هذا قيل السد المصدر والسد الاسم.
133- وقوله جل وعز: {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا} ويقرأ: {خراجا} قال الفراء الخرج المصدر والخراج الاسم وروى معمر عن قتادة خرجا قال عطية وكذلك هو في اللغة يقال لك عندي خرج أي عطية وجعل والخراج هو المتعارف وإن كان أصله من ذا.
134- وقوله جل وعز: {قال ما مكني فيه ربي خير} أي خير مما بذلتم لي.
135- ثم قال جل وعز: {فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما} والردم في اللغة أكثر من السد لأنه شئ متكاثف بعضه على بعض وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس بين السدين الجبلين أرمينية وأذربيجان.
136- ثم قال جل وعز: {آتوني زبر الحديد} الزبر القطع الكبار من الحديد.
137- ثم قال تعالى: {حتى إذا ساوى بين الصدفين} روى علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الجبلين.
138- وقوله جل وعز: {قال انفخوا حتى إذا جعله نارا} قيل جعل قطع الحديد وجعل بينهما الحطب والفحم وأوقد عليها والحديد إذا أوقد عليه صار كالنار فذلك قوله: {حتى إذا جعله نارا} ثم أذاب الصفر فأفرغه عليه فذلك قوله تعالى: {قال آتوني أفرغ عليه قطرا} أي أعطوني قطرا أفرغ عليه ومن قرأ: {ائتوني} فالمعنى عنده تعالوا أفرغ عليه نحاسا.
139- قال جل اسمه {فما اسطاعوا أن يظهروه} أي أن يعلوا عليه لطوله واملاسه يقال ظهرت على السطح أي علوت عليه قال كعب فهم يعالجون فيه كل يوم فإذا أمسوا قالوا غدا ننقضه ولا يوفق لهم أن يقولوا إن شاء الله فإذا أذن الله في إخراجهم قالوا أن شاء الله فينقضونه ولم فيخرجون فيشرب أولهم دجله والفرات حتى يمر آخرهم فيقول قد كان هنا هنا مرة ماء ويتأذى بهم أهل الأرض ويدعو عليهم عيسى صلى الله عليه وسلم فيهلكون.
140- وقوله جل وعز: {قال هذا رحمة من ربي} أي هذا التمكين رحمة من ربي ثم قال تعالى: {فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء} أي لاصقا بالأرض يقال ناقة دكاء أي لا سنام لها.
141- وقوله جل وعز: {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} ويجوز أن يكون يعني بـ: {يومئذ} يوم يخرجون من السد وأن يعني به يوم القيامة لقوله تعالى: {ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا}.
142- وقوله جل وعز: {وكانوا لا يستطيعون سمعا} أي لعداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيعون أن يسمعوا منه شيئا أي يثقل ذلك عليهم كما تقول أنا لا أستطيع أن أكلمك.
143- وقوله جل وعز: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء} قال أبو إسحاق المعنى أفحسب الذين كفروا أن ينفعهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء وروى عباد بن الربيع أن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه قرأ: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء} قال أبو عبيدة أي أرضوا بذلك أكفاهم ذلك.
144- ثم قال جل وعز: {إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} النزل عند أهل اللغة ما هئ للضيف وما أشبهه والنزل بفتحتين الريع.
145- ثم قال جل وعز: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} روى أبو الطفيل أن عليا قال هم أهل حروراء وروى عبد الله ابن قيس عن علي قال هم الرهبان قال الأسود رؤى من علي بن أبي طالب فرح ومزاح فقام ابن الكوا اليشكري فقال يا أمير المؤمنين من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا أهم الحرورية فقال لا هم أهل الكتاب كان أولهم على الحق ثم كفروا وأشركوا وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال قلت لسعد من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا أهم الخوارج فقال هم اليهود والنصارى أما اليهود فلم يؤمنوا بمحمد وأما النصارى فلم يؤمنوا بالقيامة لأنهم قالوا ليس في الجنة أكل ولا شرب فضل سعيهم وبطل عملهم وهم يحسبون أنهم على هدى أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه وأما الخوارج فهم الذين قال الله فيهم {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل}.
146- ثم قال جل وعز: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى يوم القيامة بالعظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضه اقرءوا إن شئتم {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}».
147- وقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا} سئل أبو أمامة عن الفردوس فقال هي سرة الجنة وقال كعب هي التي فيها الأعناب قال أبو اسحاق الفردوس البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين وكذلك هو عند أهل اللغة ولم نسمعه إلا في بيت حسان:
وإن ثواب الله كل موحد ** جنان من الفردوس فيها يخلد

قرئ على جعفر بن محمد الفريابي عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم قال: إن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين ما بين السماء والأرض والفردوس أعلى الجنة وفوقها عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس.
148- وقوله جل وعز: {خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} روى ابن نجيح عن مجاهد قال متحولا وقال غيره هو من الحيلة أي لا يحتالون في غيرها.
149- وقوله جل ذكره {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} قال مجاهد يعني العلم.
150- ثم قال تعالى: {ولو جئنا بمثله مددا} قيل مددا يمعنى مدادا وقيل هو من قولهم نحن مدد له وقرأ ابن عباس: {ولو جئنا بمثله مدادا}.
151- وقوله جل وعز: {فمن كان يرجو لقاء ربه} قيل يرجو بمعنى يخاف كما قال الشاعر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ** وحالفها في بيت نوب عوامل

وقال سعيد بن جبير {لقاء ربه} أي ثواب ربه قال أبو جعفر وعلى هذا يكون يرجو على بابه وإذا رجا ثواب ربه خاف عقابه.
152- وقوله جل وعز: {ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} قال مجاهد يعني الرياء وقال سعيد بن جبير أي لا يرائي وقال كثير بن زياد سألت الحسن عن قوله: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} فيمن نزلت فقال نزلت في المؤمن قلت أيكون مشركا فقال يشرك في العمل إذا عمل عملا أراد الله له والناس وذلك الذي يرد عليه انتهت سورة الكهف. اهـ.

.قال الفراء:

ومن سورة الكهف:
قوله تبارك وتعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا} المعنى: الحمد للّه الذي أنزل على عبده الكتاب قيّما، ولم يجعل له عوجا. ويقال في القيّم: قيّم على الكتب أي أنه بصدّقها.
وقوله: {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} مع البأس أسماء مضمرة يقع عليها الفعل قبل أن يقع على البأس. ومثله في آل عمران {إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ} معناه: يخوفكم أولياءه.
وقوله: {ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ} معناه ولا لأسلافهم: آبائهم وآباء آبائهم {ولا} يعنى الآباء الذين هم لأصلابهم فقط.
وقوله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ} نصبها أصحاب عبد اللّه، ورفعها الحسن وبعض أهل المدينة. فمن نصب أضمر في {كَبُرَتْ}: كبرت تلك الكلمة كلمة. ومن رفع لم يضمر شيئا كما تقول: عظم قولك وكبر كلامك.
وقوله: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ} [6] أي مخرج نفسك قاتل نفسك.
وقوله: {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا} تكسرها إذا لم يكونوا آمنوا على نيّة الجزاء، وتفتحها إذا أردت أنها قد مضت مثل قوله في موضع آخر: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ} و{أن كنتم}.
ومثله قول الشاعر:
أتجزع أن بان الخليط المودّع ** وجبل الصّفا من عزّة المتقطع

وقوله: {صَعِيدًا} [8] الصعيد التراب. والجرز: أن تكون الأرض لا نبات فيها. يقال:
جرزت الأرض وهى مجروزة. وجرزها الجراد أو الشاء أو الإبل فأكلن ما عليها.
وقوله: {أَمْ حَسِبْتَ} [9] يخاطب محمدا صلّى اللّه عليه وسلم {أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ} الكهف:
الجبل الذي أووا إليه. والرقيم: لوح رصاص كتبت فيه أنسابهم ودينهم وممّ هربوا.
وقوله: {هَيِّئْ} [10] كتبت الهمزة بالألف {وهيّأ} بهجائه. وأكثر ما يكتب الهمز على ما قبله. فإن كان ما قبله مفتوحا كتبت بالألف. وإن كان مضموما كتب بالواو، وإن كان مكسورا كتبت بالياء. وربما كتبتها العرب بالألف في كل حال لأن أصلها ألف. قالوا نراها إذا ابتدئت تكتب بالألف في نصبها وكسرها وضمّها مثل قولك: أمروا، وأمرت، وقد جئت شيئا إمرا فذهبوا هذا المذهب. قال: ورأيتها في مصحف عبد اللّه {شيأ} في رفعه وخفضه بالألف. ورأيت يستهزءون يستهزأون بالألف وهو القياس. والأوّل أكثر في الكتب، وقوله: {فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ} [11] بالنوم.
وقوله: {سِنِينَ عَدَدًا} العدد هاهنا في معنى معدودة واللّه أعلم. فإذا كان ما قبل العدد مسمّى مثل المائة والألف والعشرة والخمسة كان في العدد وجهان:
أحدهما: أن تنصبه على المصدر فتقول: لك عندى عشرة عددا. أخرجت العدد من العشرة لأن في العشرة معنى عدّت، كأنك قلت: أحصيت وعدّت عددا وعدّا. وإن شئت رفعت العدد، تريد: لك عشرة معدودة فالعدد هاهنا مع السنين بمنزلة قوله تبارك وتعالى في يوسف {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ} لأن الدراهم ليست بمسمّاة بعدد. وكذلك ما كان يكال ويوزن تخرجه إذا جاء بعد أسمائه على الوجهين. فتقول لك عندى عشرة أرطال وزنا ووزن وكيلا وكيل على ذلك.
وقوله:
103 – {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى [12]} رفعت أيّا بأحصى لأن العلم ليس بواقع على أيّ إنما هو: لتعلم بالنظر والمسألة وهو كقولك اذهب فاعلم لى أيّهم قام، أفلا ترى أنك إنما توقع العلم على من تستخبره. ويبيّن ذلك أنك تقول: سل عبد اللّه أيّهم قام فلو حذفت عبد اللّه لكنت له مريدا، ولمثله من المخبرين.
وقوله: {أَيُّ الْحِزْبَيْنِ} فيقال: إنّ طائفتين من المسلمين في دهر أصحاب الكهف اختلفوا في عددهم. ويقال: اختلف الكفّار والمسلمون. وأما {أَحْصى} فيقال: أصوب: أي أيّهم قال بالصواب.
وقوله: {أَمَدًا} الأمد يكون نصبه على جهتين إن شئت جعلته خرج من {أَحْصى} مفسّرا، كما تقول: أيّ الحزبين أصوب قولا وإن شئت أوقعت عليه اللباث: للباثهم أمدا.
وقوله: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ} [16] يعنى أصحاب الكهف فقال: وإذ اعتزلتم جميع ما يعبدون من الآلهة إلّا اللّه. و{ما} في موضع نصب. وذلك أنهم كانوا يشركون باللّه، فقال:
اعتزلتم الأصنام ولم تعتزلوا اللّه تبارك وتعالى ولا عبادته:
وقوله: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} جواب لإذ كما تقول: إذ فعلت ما فعلت فتب.
وقوله: {مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} كسر الميم الأعمش والحسن، ونصبها أهل المدينة وعاصم.
فكأنّ الذين فتحوا الميم وكسروا الفاء أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر والمرفق من الإنسان وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن الإنسان. والعرب أيضا تفتح الميم من مرفق الإنسان.
لغتان فيهما.